• ٤ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأمنُ اللسانيّ

أسرة البلاغ

الأمنُ اللسانيّ

1- اللسان - في دلالته اللغوية الواسعة - ليس البَضعة، أو العضلة اللحمية المستطيلة التي تدورُ في الفم وحسب، وإن كان يُمثِّل آلة النطق الشهيرة.

(اللسانُ) هو كلُّ أداةٍ تعبيرية عن مكنون شفهي لفظي (اللفظ: الإخراج، والإلقاء، والقذف)، أو كتابي (تحريري)، أو إشاري (رمزي)، فإشارات اليد لسان يتكلَّم، والقلم الذي يجري على الورق لسان يتحدَّث، ومؤشِّر الفأرة المرفق بلوحة مفاتيح الحاسوب لسانٌ ينطق، بل اللمسات والنقرات اليوم تتكلَّم، أكثر من الشفاه.

والصورة الإيحائية لسان، وغمزة الطرف (العين) لسان، والنصُّ (مكتوباً) أم (مسموعاً) أم (مرئياً) أم (جامعاً) لسان له تعبيراته المتعدِّدة ووسائله البليغة.

و(الرسالةُ) لسان، و(الرسولُ) لسان، والتصويت (تأييداً) و(رفضاً) أو (معارضةَ) و(مقاطعةَ) لسان.. وبالجملة، يمكن القول بأنّ اللسان واحد ومصاديقه كثيرةٌ متعدِّدة، وأنّ كلَّ ما تقدَّم لسان يقول ويتقوَّل، وإن لم ينطق أو يلفظ قولاً.

2- اللسانُ هو (اللغة) التعبيرية، وآليات التعبير والإيحاء والرموز اليوم متزايدة متكاثرة، ومَن يظنّ أنّ (غمزَه) و(لَمزه) تعييبه، و(إشاراته) الصورية (الفيس بوكيّة) أم تعبيرات وجهه ويديه، وحركات جسده، أم خربشات ووخزات قلمه، أم ازدراء ريشته وتهكُّمات رسوماته، ليست قولاً، ولا لساناً، ولا لغةً، فقد أخطأ معنى اللسان، وتساهل مع مُراد (عليه رقيب عتيد)، أي حاضر دائماً لتسجيل كلّ صغيرة وكبيرة، قولية أو تعبيرية.

3- من هنا نفهم دلالة التعريف الذي يُقدِّم هويّة الإنسان المُسلِم على أنّه: «مَن سلم الناسُ من يده ولسانه»، أي من كلّ أدواته التعبيرية (الجارحة)، وليس من العضو الصغير (الجارح) فقط.

4- وإذا كانت العرب تصنفُ ما يندلع من النار، فتقول (ألسنة اللهب) أو (ألسنة النيران)، فإنّ ألسنة بعض الناس، والعياذ بالله نيرانية، إذا أتت على شيء لا تُبقي ولا تذر، بل تلتهم اليابس والأخضر.. فاللسان وإن لم يكن عَظماً؛ لكنّه يكسر العظام، وهو وإن لم يكن مقصّاً فولاذياً؛ لكنّه يقصّ ويُقطِّع إرباً إربا، وصدق الشاعرُ حيث قال:

جراحاتُ السِّنانِ لها التئامٌ ****** وليس يلتامُ ما جرحَ اللسانُ

5- تأسيساً على ذلك، فإنّ أحد أهم لوازم (الأمن المجتمعي) هو (الأمن اللساني)، بمعنى الأمن والتوقّي من مخارجه ومنتجاته (سخريةَ) كانت، أم (شتائمَ) أم (قذفاً) أم (نميمةً) أم (غيبةً) أم (إشاعةً) أم (بذاءةً) أم (فُحشاً) أم (كذباً وافتراءً)، أم (تشهيراً وتسقيطاً)، أم أي حصاد سيِّئ من حصائد ألسنتنا، وحكيمٌ ذاك الذي يرى أنّ احتجاز اللسان وراء صفين من الأسنان وشفتين، هو لئلّا ينفلت من عقاله ليُحدث كلمة تجرُّ إلى فتنة، وهذه إلى حرب، وأيّة حرب (والحرب أوّلها كلامُ)!

تعليقات

  • 2021-09-11

    رموز محمد

    سبب تدمير المجتمعات يرجع بالأساس إلى اللسان وفقدان الصواب والحكمة في الكلام. فأخطر مايهلك الإنسان كلام السوء والفحش في تصرفتنا وسلوكنا. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يصمت"

ارسال التعليق

Top